جدول المحتويات
تعريف ليلة القدر
يتركّب مُصطلح ليلة القدْر من لفظين اثنين هما: ليلة والقدر، حيث يبدأ وقت الليل من غروب الشمس حتّى طلوع الفجر، والليل يقابله النهار، أما القدْر لغةً فهو الشرف والوقار، وعُرّف أيضاً بالقضاء والتضييق والحكم، كما قيل إن القدْر هنا بمعنى القَدَر بفتح الدال، أي بمعنى الفصل، والمعنى اللغوي والاصطلاحي في تعريفه لا يختلفان، فهي ليلة في العشر الأواخر من رمضان، وتأتي هذه الليلة مرّة في العام ولا يُعلم متى تكون.
أما سبب تسميتها بليلةِ القدر فقد اختلف العلماء فيه على عدة أقوال منها:
- القول الأول: لأن الله -سبحانه وتعالى- يقدّر للعباد فيها أرزاقهم وآجالهم ويُبيّن ذلك للملائكة ليطيعوه.
- القول الثاني: لعظم شأنها وقدرها والشرف العظيم المختص بها.
- القول الثالث: لأن القرآن الكريم نزل فيها، فارتفعت مكانتها وقدرها بنزول كتاب الله فيها.
- القول الرابع: سُمّيت بذلك للقدْر العظيم الذي يحظى به من قامها، فينال بذلك قدرًا لم يكن ناله قبلها، وترفعه شرفاً عند الله تعالى، فعمل العبد فيها ذو قدرٍ عظيم.
- القول الخامس: لأن الأرض تضيق بالملائكة التي تنزل في هذه الليلة لكثرتهم.
قيام ليلة القدر
قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، ويدل الحديث الشريف على عظم شأن وفضل ليلة القدر عند الله تعالى، حيث جعلها خيرًا من ألف شهر، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، وذلك لبركتها وبركة العبادة وأعمال الخير فيها، فالعمل الصالح فيها أفضل من العمل الصالح في ألف شهر؛ وهو ما يقدّر بثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر، كما هو حال العبادة فيها، فمن قامها إيمانًا بالله -تعالى- وبما أعدّه من الثواب والأجر العظيم فيها؛ غُفر ما تقدّم من ذنوبه، وهي ليلة مليئة بالبركات والخيرات، فيحرص المسلم فيها على الإكثار من الدعاء والعبادات.
وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من إهمال قيام ليلة القدر والغفلة عما فيها من الخير، وذلك فيما رُوي عنه -صلى الله عليه وسلّم- أنه قال: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)، وعلى العبد أن يكثر من الدعاء في الليالي التي تُرجى أن تكون ليلة القدر فيها لكي لا يحرم خيرها العظيم.
إنَّ للمسلمين في قيام ليلة القدر والاجتهاد فيها قدوةً؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يجتهد في العبادة فيها أكثر من غيرها، لحديث عائشة رضي الله عنها: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ)، وكان اجتهاده في عدة أمور: كالصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، وإخراج الصدقة، وغيرها من الأعمال الصالحة، كما كان -عليه الصلاة والسلام- يتفرّغ للقيام والذكر، فيذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه، و يوقظ أهله ليغتنموا بركات هذه الليالي العظيمة.
قراءة القرآن
يستحب للمسلم في ليلة القدر أن يُكثر من تلاوة القرآن الكريم وأن يسعى لختمه؛ فإن تمكّن من ختمه فقد حاز أجراً كبيراً، ويمكن لمن أراد أن يُحيي هذه الليلة بقراءة القرآن الكريم أن يجتمع مع إخوانه وأصدقائه في حلقاتٍ سواء في المسجد أو في بيت أحدهم، فيقرؤون ما تيسّر من القرآن، حتّى يحقّقوا ما نصّ عليه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في تدارس القرآن، ويتحصّلون بذلك على الأجر المترتب على الاجتماع لقراءة القرآن وتدارسه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).
للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:
الصلاة
يستحب إحياء ليلة القدر بالصلاة والتهجّد فيها، فمن قامها مصدّقاً بوعد الله بالثواب عليها، وطالباً لأجرها مخلصاً فيها لا بقصد رياء أو غيره فإنّه موعود بمغفرة ما تقدم من ذنبه؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وتؤدّى صلاة الليل ركعتين ركعتين، وهو فعل النبي عليه الصلاة والسلام، حيث ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى).
وقد كان مقدار ما يصلّيه النبي -عليه الصلاة والسلام- من الليل إحدى عشرة ركعة، لحديث عائشة رضي الله عنها: (ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)، فمن اقتدى به فهو أفضل، ومن زاد فلا بأس، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يزيدون عن ذلك المقدار فيصلّونها عشرين ركعة، وذلك في عهد كلّ من الخلفاء عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، وقد اجتهد الصحابة والتابعون في الصلاة في العشر الأواخر لتحرّي ليلة القدر خاصّة وفي ليالي رمضان عامّة، فكان بعضهم يصلّي ثلاثاً وعشرين ركعة، وفي رواية عن الإمام مالك أن بعض الصحابة وبعض التابعين كانوا يصلّون ستّاً وثلاثين ركعة، ويرتاحون بين كل أربع ركعات، ومن هنا أتت تسميتها بصلاة التراويح.
للمزيد من التفاصيل عن صلاة التراويح في رمضان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي صلاة التراويح)).
الاعتكاف
الاعتكاف هو لزوم المسلم للمسجد تفرّغًا للعبادة، فيَلزم مسجدًا من المساجد، ويشتغل في الصلاة والذكر وتلاوة القرآن، متحرّياً بذلك ليلة القدر، والاعتكاف سنّة ثابتة في القرآن والسنة النبوية، فقد اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- واعتكف الصحابة من بعده، قال صلى الله عليه وسلم: (إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ)، وحريٌّ بالمعتكف أن يبتعد عن لغو الحديث، إلّا إن اضطر لذلك لمصلحةٍ مع أهله وغيرهم، ومما يحرم على المعتكف أن يأتيه فترة اعتكافه: الجماع وما يتقدّمه، أمّا خروجه من المسجد ففيه تفصيلٌ، وهو على ثلاثة أقسام كالآتي:
- الخروج لحاجةٍ لا بد منها، كالخروج للوضوء الواجب، أو الغسل الواجب للجنابة، أو الخروج لقضاء الحاجة، فهو جائز إن لم يمكنه فعله في المسجد.
- الخروج لأمر طاعة غير واجبة عليه، كحضور جنازة أو زيارة مريض، فلا يفعل ذلك إلا إذا كان المريض المراد عيادته يأنس به، أو يُخشى موته فلا بأس في ذلك، وإذا اشترط ذلك في بداية اعتكافه فلا بأس في ذلك أيضا.
- الخروج لأمر منافٍ للاعتكاف، كالخروج لبيعٍ أو شراءٍ وما إلى ذلك، فليس له أن يفعله، لأن ذلك يناقض المقصود من الاعتكاف.
للمزيد من التفاصيل عن الاعتكاف الاطّلاع على مقالة: ((شروط الاعتكاف)).
الدعاء
يستحب لمن أراد أن يُحيي ليلة القدْر أن يكثر من الدعاء، فقد ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي)، فإن صلّى ودعا فهو خير، ومن هَدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إن مرّ بآية رحمة سأل الله الرحمة، وإن مرّ بآية عذاب استعاذ بالله من العذاب، كما يحرص المسلم في هذه الليلة أن يتخيّر من الأدعية الجامعة الواردة في القرآن الكريم، والأدعية التي كان -عليه الصلاة والسلام- يدعو بها أو يرشد إليها، كما أن سؤال الله في هذه الليلة ليس محصوراً بدعوةٍ معيّنة، بل يتخيّر الداعي من الأدعية ما يناسب حاله، فيدعو لنفسه ويدعو لإخوانه المسلمين ما يشاء من الدعاء.
وحريٌّ بالمؤمن أن يحرص على الدعاء في ليلة القدر، فهي الليلة التي تكتب فيها أقدار العام كلّه، فيسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فليس شيء يساوي العافية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سَلِ اللهَ العَفْوَ و العَافِيَةَ في الدنيا والآخِرَةَ، سَلِ اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ في الدنيا والآخِرَةَ فإِذَا أعطيتَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ فقد أفلحْتَ).
للمزيد من التفاصيل عن الدعاء الاطّلاع على مقالة: ((الدعاء المستجاب)).
العمل الصالح
يُقدّر في هذه الليلة الخير الكثير، وهذا الخير لا يماثله خيرٌ في ألف شهر، والعمل الصالح في ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، فقد قال تعالى:(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). ومن العمل الصالح في هذه الليالي:الحرص على أداء الفرائض والسنن.
- تفطير الصائم؛ وذلك بدعوته أو بإعداد الطعام أو شرائه وإرساله له، فينال المسلم بذلك أجراً عظيماً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن فَطَّر صائمًا كُتِب له مِثلُ أجْرِه، إلَّا أنَّه لا يَنقُصُ مِن أجْرِ الصائمِ شَيءٌ).
- تعجيل الفطور، والدعاء عنده.
- برّ الوالدين وطاعتهما والتقرّب لهما، ومشاركتهما الإفطار، وقضاء حوائجهما.
- إخراج الصدقة، أو توكيل جهة خيرية بذلك.
- المبادرة في الذهاب إلى المسجد قبل الأذان، وصلاة ركعتي تحية المسجد، والتهيؤ للصلاة بالانقطاع عن الدنيا ومشاغلها.
- الحرص على أذكار الصباح وأذكار المساء.
فضائل ليلة القدر
هي أفضل ليلة في رمضان، قد منّ الله بها على هذه الأمة بأن جعلها تعدل ألف شهر في الفضل والعمل، ومن بركاتها وفضائلها ما يأتي:
- نزول الملائكة بكثرةٍ فيها، قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)، فيتنزّلون مع نزول بركة ورحمة الله على عباده، ويجتمعون حول حلقات الذكر، ومجالس القرآن.
- نزول القرآن الكريم فيها، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
- كتابة أقدار العباد وأرزاقهم خلال العام، قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
- تفضيل العمل الصالح فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
- خلوّها من الشرور، والسلامة من العذاب، وعدم نفوذ الشيطان فيها كما ينفذ في غيرها، قال تعالى: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
- غفران ذنوب من قامها لله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
للمزيد من التفاصيل عن مقالات مشابهة الاطّلاع على مقالة: ((فضل العشر الأواخر من رمضان)).
علامات ليلة القدر
يظنّ البعض أنه لا يوفّق لليلة القدر أو لا يكسب أجرها إلّا إن رأى بعض الأشياء الخارقة؛ كأن يرى نوراً، أو يرى كلّ شيءٍ ساجدًا، وذلك ليس صحيحاً على المطلق، مع عدم نفي أن يرى البعض علامات لهذه الليلة أو يشعر بها بتوفيق من الله، فقد وردت إمارة ذكَرَها أبيّ بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ * لَهَا).
وقد تناقل الناس بعض العلامات لهذه الليلة والتي لا يثبت فيها حديث، كأن يكون الجو فيها ساكنًا لا حاراً ولا بارداً، وأن الأشجار فيها تسجد، والكلاب لا تنبح، والنور يكون في كل مكان، وأن يصبح الماء المالح حلواً، وغيرها من العلامات التي لا أصل لها، فعدم رؤية البعض لها لا يعني أنه لم يدرك الليلة ولم يوفق لها، ويستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتم ذلك ولا يخبر أحدًا به لأنها كرامة * من الله، والكرامة يجب أن تُكتم.
وقت ليلة القدر
اختلف الفقهاء في تحديد ليلة القدر، ومما نُقل من أقوالهم أنها في شهر رمضان في الليالي الفردية في العشر الأواخر منه، وقد أخفى الله -تعالى- هذه الليلة عن الناس ليجتهدوا في العبادة في جميع الليالي، ويتنافسوا في فعل الخيرات والطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)، والقول المشهور والمستفيض عند أهل العلم أنها في ليلة السابع والعشرين من رمضان.