أبواب البِرّ في الإسلام
إنّ من رحمة الله -سبحانه وتعالى- وكرمه على خلقه أن جعل أبواب التقرّب إليه كثيرةً ومتعددةً، وقد حثّ عليها كلّها وجعل بين ذلك تفاوتاً في الفضائل والأجور؛ حتّى يرفع الهِمم، ويحاول كلّ إنسان أن يجتهد ليُصيب أكبر قَدْرٍ ممكنٍ من أبواب الخير، ومن هذه الأبواب باب الصّدقة التي جعلها متفرّعةً إلى عدّة أشكال، فالإنسان يختار منها ما يناسبه ويقدر عليه، فقد جاء في الحديث الشريف: (كلُّ سُلامَى من الناسِ عليه صدقةٌ، كلُّ يومٍ تطلُعُ فيه الشمسُ يعدلُ بينَ الاثنينِ صدقةٌ، ويعينُ الرجلَ على دابتِه فيحملُ عليها، أو يرفعُ عليها متاعَه صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويميطُ الأذَى عن الطريقِ صدقةٌ)، فرُبّ فقير يتصدّق بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وغنيّ يتصدّق بماله، وصاحب علم يتصدّق بعلمه؛ فالحديث الشريف يدلّ على أنّ كلّ معروف يفعله المسلم ينوي به رضا الله -تعالى- صدقة.
والصّدقة ترفع صاحبها إلى أعلى المراتب، فلا شكّ أنّ من يتخلّق بهذا الخلق العظيم، وآثر أخاه على نفسه، وأحبّ لغيره ما يحبّ لولده وزوجه، فسيُكْرم ويتصدّق ولا يبالي بإنفاق المال، طالما أنّه أخرجه في سبيل الله تعالى، فهي صفة كريمة تُكرّم صاحبها بين الناس وعند الله تعالى، وفيما يأتي تعريف الصّدقة، وبيان أنواعها، وفضلها.
تعريف الصّدقة
لا بُدّ من بيان المقصود بالصّدقة لُغةً واصطلاحاً، وبيان ذلك فيما يأتي:
- تعريف الصَّدَقة لُغةً: هي ما يُعطى للفقير ونحوه، من مالٍ، أو طعامٍ، أو لباسٍ، على وجه التقرّب إلى الله تعالى، وليس على سبيل المكرُمة.
- تعريف الصَّدَقة اصطلاحاً: هي العطيّة التي يُبتغى بها الثواب من الله تعالى، فهي إخراج المال تقرُّباً إلى الله سبحانه وتعالى.
أنواع الصّدقة
تختلف أشكال الصّدقة التي شَرَعها الإسلام وحثّ عليها، وتُقسَم إلى قسمين؛ هما: الصّدقات بالمال، والصّدقات المعنويّة، وهذا من كرم الله -تعالى- على عباده بأن جعل الصّدقات متاحةً لكلّ الناس، فلا يعجز أحد عن التقرّب إليه -تعالى- بأيّ شكلٍ من أشكال الصّدقة، وفيما يأتي بيان ذلك:
- صدقات المال: من الأمثلة على صدقات المال التي يُؤجَر عليها المسلم، ما يأتي:
- الإنفاق على الأبناء: فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أربعةُ دنانير: دينارٌ أعطيتَه مسكيناً، ودينارٌ أعطيتَه في رقبةٍ، ودينارٌ أنفقتَه في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك؛ أفضلُها الذي أنفقتَه على أهلِك).
- الصّدقة على اليتيم: حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كافِلُ اليتيمِ له أو لغيرِهِ، أنا وهو كهاتَيْنِ في الجنّةِ)؛ إذ أشار -صلّى الله عليه وسلّم- بالسّبابة والوسطى.
- الصّدقة على الجار: حيث قال الله تعالى: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ).
- الإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى: قد ذُكِر فضل الإنفاق على الجهاد في سبيل الله -تعالى- في عدّة مواضع في القرآن الكريم؛ منها: (انفِروا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ)، وجاء أيضاً في القرآن الكريم: (لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ*أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ).
- الصّدقة الجارية: ورد ذكرها في الحديث الشريف: (إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ).
- الصّدقات المعنويّة: هناك أعمال يقوم بها المسلم وتُعدّ من الصدقات، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
- التّسبيح، والتكبير، والتهليل: فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً).
- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ).
فضائل الصّدقة
إنّ للصّدقة فضائل وفوائد عظيمةً تعود على صاحبها، منها ما يأتي:
- إنّ الصّدقة تطفئ غضب الله تعالى؛ فقد جاء في الحديث: (إنَّ صدقةَ السرِّ تطفئُ غضبَ الربِّ تبارك وتعالى).
- إنّ الصّدقة تقي صاحبها من النّار إذا كانت النيّة خالصةً لوجه الله تعالى، فقد جاء في القرآن الكريم: (يقِي أحدُكم وجْهَهُ حَرَّ جَهنمَ ولو بِتَمرةٍ، ولو بشِقِّ تمرةٍ).
- إنّ المتصدّق يُظَلّ بظلّ صدقته يوم الحساب حتّى يفرغ الحساب، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ).
- إنّ الصّدقة سبب في الشفاء من الأمراض؛ فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ).
- إنّ المُتصدّق تدعو له الملائكة بالبركة والتعويض من الله تعالى، فقد جاء في الحديث الشريف، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما من يومٍ طلعتْ شمسُه، إلَّا وبجنبَيْها ملَكان يُناديان نداءً يسمعُه خلقُ اللهِ كلُّهم غيرَ الثَّقلَيْن: يا أيُّها النَّاسُ هلمُّوا إلى ربِّكم، إنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُر وألهَى، ولا آبتِ الشَّمسُ إلَّا وكان بجنبَيْها ملَكان يُناديان نداءً يسمعُه خلقُ اللهِ كلُّهم غيرَ الثَّقلَيْن: اللَّهمَّ أعطِ مُنفِقاً خَلفاً، وأعطِ مٌمسكاً تَلفاً).
- إنّ في الجنّة باباً يُقال له باب الصّدقة، يُدعى إليه المتصدّق فيدخل منه، ويدخل منه كذلك كلّ من كان من أهل الصّدقات في الدنيا، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ومن كانَ من أَهلِ الصَّدق، دُعِيَ من بابِ الصَّدقةِ ).