تكريم المرأة
لقد اهتمَّت الشريعة الإسلامية بالمرأة وخصصت لها ما لم تُخصصه للرجال، فقد أنزل الله سورةً خاصَّة بهنَّ في كتابه وهي سورة النساء، ولم يُخصص للرجال سورةً مثلهنَّ، وجعل قيام الدَّولة الإسلاميَّة منوطًا بها بشكلٍ أو بآخر إذ إنَّها النَّواة التي يتكوَّن منها المجتمع، فهي الأم التي تعكف على تربية أبنائها تربيةً صالحةً ليخرج منهم المجتمع الإسلاميُّ الذي تنشده الأمة الإسلامية، وكانت المرأة مكرَمةً في كافة صورها أمًّا أو بنتًا أو زوجةً أو غيرها، وقد ورد عن أبي هريرة أنَّه: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ”؛ ولذلك لا بدَّ من إفرادِ مقالٍ يتمُّ الحديث فيه دور المرأة في التاريخ الإسلامي، وما هي مظاهر تكريم الإسلام للمرأة.
دور المرأة في التاريخ الإسلامي
لم تكن المرأة الإسلاميَّة إلا مثالًا يُحتذى به من ناحية مشاركتها الفاعلة في قيام الدولة الإسلاميَّة، إذ لم تقتصر مشاركتها على تربية الأبناء والعناية بزوجها فقط على عظم تلك المهمة، بل كانت المرأة التي تترك أثرها ما أمكنها ذلك، والتَّاريخ الإسلامي ينطق عن كثيرٍ من الشَّخصيَّات اللاتي كانت لهنَّ باعٌ طويلةٌ في قيام الإسلام، فها هي خديجة زوجة النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون أوَّل داعم اقتصاديٍّ لقيام الإسلام فلم تبخل من أجله بمالها، وأمَّا أسماء بنت أبي بكر فكانت تلك المرأة التي تخرج في غسق الظلام لتحمل الطَّعام لأبيها ونبيها ليكون اسمها مسطرًا كأوِّل فدائيَّةٍ من أجل تلك القضيَّة العظيمة، ولا تغيب المرأة في التاريخ الإسلاميِّ عن المعارك والحروب.
فها هي أسماء بنت يزيد تخوض في الحرب مع الروم فتقتل تسعة ًمنهم، وفيما روي عن مهاجر بن دينار بن أبي مسلم الأنصاري: “أنَّ أسماءَ بنتَ يزيدَ بنِ السَّكنِ بنتَ عمِّ معاذِ بنِ جبلٍ قَتلَتْ يومَ اليرموكِ تسعةً منَ الرُّومِ بعمودِ فِسطاطٍ”، وأمَّا في المواقف السياسية فتقف أسماء بنت أبي بكر موقف عزٍّ أمام الحجاج بن يوسف الثقفي فتكون فيه ذات حجة ومنعة فقد ورد “أنَّ الحَجَّاجَ بنَ يُوسُفَ دخَل على أسماءَ بنتِ أبي بكْرٍ، بعدَما قتَلَ ابنَها عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ، فقالَ: إنَّ ابنَكِ ألحَدَ في هذا البيتِ، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أذاقَه من عذابٍ أليمٍ، وفعَلَ به وفعَلَ، فقالتْ: كذَبْتَ، كان بَرًّا بالوالدَينِ، صوَّامًا قوَّامًا، واللهِ لقد أخبَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أنه سيخرُجُ من ثَقِيفٍ كذَّابانِ، الآخِرُ مِنهما شَرٌّ من الأوَّلِ، وهو مُبيرٌ”، وفي تلك المواقف تبيينٌ لدور المرأة في التاريخ الإسلامي ومساهمتها في إقامة ذلك الدين المنيع دون أن يقتصر وجودها على بيتها فحسب، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.
مظاهر تكريم المرأة في الإسلام
المرأة في الإسلام مكرَّمةٌ بما اختصَّها الله به من حقوق وواجبات، فجعل الرَّجل منعةً لها يقوم من أجلها ويتولَّى أمرها ويسيِّر شؤونها لما أعطاه الله من قوة تفوق قوتها، فهو ينفق عليها ويطعمها ويكسيها ويقوم على حمايتها، حيث قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّما النساءُ شقائقُ الرجالِ”،وفيما يأتي ذكرٌ لأهمِّ مظاهر تكريم المرأة في الإسلام:
- مساواة المرأة بالرجل إنسانيًّا ليكونا في كفَّةٍ واحدة، حيث قال تعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
- مساواة المرأة بالرجل في حقوق البيع والشراء وحق الإرث وغيرها من الأحكام، حيث قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.
- المساواة بين المرأة والرجل في العقاب والثواب، حيث قال تعالى في سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.