معلومات دينية

الوكالة في الإسلام أحكامها مشروعيتها وشروطها

عقود التفويضات

إنّ عقود التفويضات مصطلح مركّبٌ من كلمتين، العقود وهي جمع العقد، والتفويضات وهي جمع التفويض، والعقد في اللغة العربية مصدر الفعل عَقَدَ، فيُقال عقدَ الشيء يعقده عقْدًا إذا شدّه، والكلمة أساسًا ترتبط بالمحسوسات كالحبل، ثمّ أُطلقَت على الأمور المعنوية كعقود البيع والمواثيق ونحوها، وأمّا اصطلاحًا فله تعريفان: خاصّ وعامّ، فأمّا الخاص فيعني “ارتباطُ إيجابٍ بقَبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله”، وأمّا المعنى العام فهو ما يُلزِم المرء به نفسه من أمر، وهنا لا يُشترط وجود طرفين، وأمّا التفويضات فهي جمع تفويض، والتفويض يعني تصيير الأمر إلى شخص آخر، فمثلًا قولهم في الدعاء: فوّضتُ أمري لله تعالى؛ أي: رددتُ الأمر لله، وصيّرتُه إليه، وعقود التفويضات تعني تفويض أحدٍ ما وإطلاق يده للتصرّف في عملٍ ما كان ممنوعًا عليه قبل ذلك، ومن تلك العقود الوكالة والطلاق والإذن للصبي بالتجارة والإيصاء وغير ذلك، وسيقف المقال فيما يأتي مع عقد الوكالة في الإسلام وشروطها كونها نوع من أنواع عقود التفويضات.

الوكالة في الإسلام وشروطها

من بين عقود التفويضات التي شرعها الإسلام هنالك عقد الوكالة، وهي -كغيرها من عقود التفويضات- لها شروط وأركان وأحكام خاصّة تقوم عليها، ولعلّ هذا المقال فيما يأتي سيقف -بما يسمح به المقام- مع الوكالة في الإسلام من حيث تعريفها في اللغة وفي الاصطلاح عند المذاهب الأربعة، وكذلك سيتعرّف لمشروعيّة الوكالة والحكمة منها، وكذلك يقف مع حكم الوكالة وأركانها وأحكامها وما يصح التوكيل فيه وما لا يصح، وطرق انتهاء عقد الوكالة.

تعريف الوكالة

الوكالة في اللغة تُلفظ بكسر الواو أو فتحه؛ فيُقال: وِكالة أو وَكالة، ومدارُ المعنى من ناحية اللغة على الحفظ والتفويض، فمن ذلك اسم الله -تعالى- الوكيل، الذي يعني الحفيظ، ومنه أنّ قولهم: توكّلنا على الله يعني أنّهم قد فوّضوا الأمر إليه، وعليه فالتوكيل يعني تفويض الآخر بالتّصرّف، وقد سُمّي الوكيلُ وكيلًا لأنّه قد فُوِّضَ الأمر إليه لتأدية عمل ما أو أعمال، فالأمرُ إذًا موكولٌ إليه، هذا ما يخصّ الوكالة والوكيل من ناحية اللغة، وأمّا من ناحية الاصطلاح فللوكالة تعريف عند كلّ مذهب من مذاهب الإسلام الأربعة؛ إذ لكلّ مذهب منهم ضوابط لها، وعليه فتعريفها يشكّل جزءًا كبيرًا من ضابط التعامل بها، فتعريف الوكالة في المذهب الحنفي هو: “إِقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ -تَرَفُّهًا أَوْ عَجْزًا- فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ”، وأمّا في المذهب المالكيّ فهي: “نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ -غَيْرِ ذِي إِمْرَةٍ وَلاَ عِبَادَةٍ- لِغَيْرِهِ فِيهِ، غَيْرَ مَشْرُوطٍ بِمَوْتِهِ”، وعرّفها الشافعيّة بأنّها: “تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَل النِّيَابَةَ إِلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ”، وأخيرًا في المذهب الحنبليّ قد عرّف فقهاء هذا المذهب الوكالة بأنّها: “اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مِثْلَهُ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ”، وبذلك يكون تعريف الوكالة قد صار واضحًا عند المذاهب الإسلاميّة، وستقف الفقرة القادمة مع حديث عن مشروعيّة الوكالة في الشريعة الإسلاميّة.

مشروعية الوكالة

لقد اتفق الفقهاء على مشروعيّة الوكالة، ولهم أدلّتهم في ذلك من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، فأمّا دليلهم من الكتاب فمن ذلك ما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}، وذلك دليل على جواز التوكيل قد قصّه الله -تعالى- في هذه السورة بلا نكير، ومن الأدلّة من الكتاب كذلك ما ورد في سورة النساء في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهٌ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}، وفي هذه الآية دليلٌ على مشروعيّة الوكالة عند من قال إنّ الحَكَمَ هو وكيلٌ عن الزوجين، وأمّا من السنّة فمن ذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث عروة بن أبي الجعد -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي له به شَاةً، فَاشْتَرَى له به شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُما بدِينَارٍ، وجَاءَهُ بدِينَارٍ وشَاةٍ، فَدَعَا له بالبَرَكَةِ في بَيْعِهِ، وفي الحديث دليل على مشروعية الوكالة في البيع والشراء، ومن الأدلّة من السنة كذلك الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- الذي يقول فيه: أردتُ الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه، وقلت له: إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر، فقال: “إذا أتيتَ وكيلي فخذ منهُ خمسةَ عشرَ وسْقًا، فإن ابتغى منك آيةً فضع يدك على ترقوته”، وفي الحديث دليل على مشروعية الوكالة، وكذلك فيه دليلٌ على أنّ الإمام له أن يقيم عاملًا على الصدقات يأخذها ويدفعها إلى مستحقيها، وأمّا الإجماع فقد أجمع المسلمون منذ عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإلى يوم الناس هذا، وليس في ذلك خلاف معلوم بين المسلمين، وأمّا من المعقول فلأنّ الإنسان قد لا يستطيع فعل ما يريد بنفسه، فحاجته ستستدعي أن يوكّل من يقوم بأموره، وستقف الفقرة القادمة مع الحكمة من الوكالة.

الحكمة من الوكالة

إنّ الحكمة من الوكالة كثيرة كما ذكر كثير من علماء الإسلام، فمنها أنّ فيها رعاية لمصالح المسلمين، ودفع للحرج عنهم وسدّ لذرائعهم؛ إذ يمكن لشخص ما أن تتوفّر لديه الخبرة والكفاءة في أمر ما لا تتوفّر في غيره، وكذلك بعض الناس لا يمكنهم أن يباشروا أمورهم بأنفسهم لعجز أو مرض أو نحوه، وقد يكون الإنسان الذي له حقّ ما لا يستطيع الدفاع عنه لضَعفٍ في بيانه، ولأجل ذلك كلّه وأكثر قد شرع الله -سبحانه- الوكالة.

حكم الوكالة

بعد الوقوف على تعريف الوكالة ومشروعيّتها والحكمة منها تقف الفقرة هذه مع حكم الوكالة في الشريعة الإسلاميّة، والوكالة في الإسلام جائزة بأجر أو بغير أجر، ويُستحبّ أن تكون بلا أجر، واستدلّ القائلون بهذا القول على بعض الأدلّة، ومن تلك الأدلّة:

  • قوله تعالى في سورة المائدة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
  • وقوله تعالى في سورة الكهف: {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.
  • وحديث علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- الذي أورده البخاري في صحيحه ويقول فيه: “أَمَرَنِي رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أَنْ أَتَصَدَّقَ بجِلَالِ البُدْنِ الَّتي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا”.

أركان الوكالة

إنّ للوكالة أركان عند الفقهاء، منها أركان قد ذهب إليها جمهور الفقهاء وهي ثلاثة: الصيغة والعاقدان ومحل العقد، وأمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّ ركن الوكالة هو الإيجاب والقَبول، وهذا الركن يستلزم بالضرورة وجود الركنين السابقَين، وأركان الوكالة التي قال بها الفقهاء هي بشيء من التفصيل فيما يأتي:إسلاميّة]].

  • الصيغة: والصيغة هي الإيجاب والقَبول، وهما ما يُعبَّر بهما عن التراضي، والتراضي هو ركنٌ في الوكالة كما هو في باقي العقود الأخرى، وفيما يأتي تفصيل في معنى الإيجاب والقَبول اللَّذَين هما من أهمّ أركان الوكالة، وتفصيل القول فيهما فيما يأتي:إسلاميّة]].
    • الإيجاب: إنّ معنى الإيجاب هو ما صدر عن المالك -أي الموكّل- ويدلّ على إذنه بالتّوكيل عند الجمهور، وأمّا عند الحنفيّة فهو ما صدر من أحد المتعاقدين أوّلًا؛ لأنّ في ذلك دلالة على الرغبة في إنشاء العقد، والإيجاب يتحقّق بصور كثيرة منها:
      • الإيجاب باللفظ: ويتحقق ذلك باللفظ الصريح الدال على معنى التوكيل، أو بأيّ لفظ دال على الإذن بالتوكيل، ودليل ذلك أمرين؛ الأوّل هو أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حديث عروة بن أبي الجعد قد وكّل عروة بالشّراء بلفظ الشراء، والثاني أنّ أصحاب الكهف حينما بعثوا صاحبهم فإنّهم قد وكّلوه بما يدلّ على ذلك؛ ولذا قد تقرّر أنّ أيّ لفظ يدلّ على الإذن فإنّه يجري مجرى القول الصريح في الوكالة، وفي الإيجاب باللفظ مسألتان، الأولى الإيجاب باللفظ عند حضور الوكيل مشافهة، والثانية الإيجاب باللفظ في غياب الوكيل مراسلة:
        • فأمّا المسألة الأولى: فقد انعقد اتّفاق الفقهاء على تحقق الإيجاب في عقد الوكالة بلفظ: وكّلتُكَ في كذا، أو فوّضتُ إليك أو أنَبْتُكَ في كذا أو أذِنتُ لكَ في كذا، أو ما يجري مجرى تلك الألفاظ الدالة على التوكيل، وكذلك رأى الجمهور من الحنابلة والمالكية والشافعية أنّ التوكيل يتحقق بلفظ الأمر كقولهم: بِع أو أعْتِق أو نحو ذلك، ويرى المالكيّة أنّه إذا جرى العرف بانعقاد الوكالة بمثل تلك الألفاظ فإنّها تنعقد، وأمّا الحنفيّة فالوكالة تنعقد عندهم بكل لفظ يدلّ عليها، وقد نُقِلَ عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة أنّ الوكالة تنعقد لو قال لغيره أحببتُ أن تبيع داري هذه، أو هويتُ أن تبيعها أو رضيتُ أو شئتُ أو نحوها، ونصّ الشّافعيّة على أنّه لو قال الموكّل لغيره: سأوكّلك فإنّ الوكالة لا تصح؛ لأنّ ذلك احتمال، وكذلك نصّوا على أنّه لو قال: قد عوّلتُ عليك فإنّ الوكالة لا تنعقد؛ لأنّه قد يكون قد عوَّلَ على رأيه أو معونته أو نحوها، وكذا لو قال: اعتمدتُ عليك أو استكفيتُ.
        • وأمّا المسألة الثانية: فقد صرّح الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة بأنّ الإيجاب ينعقد في عقد الوكالة بالمراسلة.
      • الإيجاب بغير اللفظ: وهذا له صور، ومنها:
        • الكتابة: واتفق الفقهاء على أنّ الإيجاب في الوكالة ينعقد بالكتابة.
        • الإشارة: وذهب الفقهاء إلى أنّ إشارة الأخرس المفهومة هي إشارة معتبرة في الإيجاب في عقد الوكالة.
        • الفعل: لقد صرّح الحنابلة على أنّ الإيجاب في الوكالة ينعقد بالفعل الذي يدل على الإذن، وكذلك رأى المالكيّة أنّه إن كان العرف قد جرى بانعقاد الوكالة بالفعل فإنّها تنعقد به.
        • ما يدل في العادة على اعتباره إيجابًا: فيرى المالكيّة أنّ الإيجاب في الوكالة يتحقّق بموجب العادة، كتصرّف الزوج في مال زوجته وهي عالمة وساكتة، فذلك يقوم مقام التوكيل، وأمّا الشافعيّة والحنابلة والحنفيّة فلم يعتبروا السكوت في الإيجاب.
    • القَبول: وإمّا أن يكون باللفظ أو بغيره، وفي ذلك تفصيل:
      • القبول باللفظ: وقد اتّفق الفقهاء على أنّ القَبول يتحقّق باللفظ، كما لو قال بعضهم لأحدٍ ما: قد وكّلتُكَ بهذا الأمر، وقال له الآخر: قبلتُ، أو أيّ لفظٍ آخر غير قبلتُ يُشعرُ بالقَبول، وقال الحنفية والشافعية إنّ شرط القبول عدم الردّ؛ فلو قال الطرف الآخر: لا أقبل أو نحوه فإنّ الوكالة لا تنعقد.
      • القبول بغير اللفظ: والقبول بغير اللفظ هو محل خلاف بين الفقهاء، ففي ذلك أربع صور، تفصيلها فيما يأتي:
        • القبول بالفعل: وللفقهاء في هذه المسالة أقوال: فقد قال الجمهور من الحنفيّة والحنابلة والمالكيّة وفي أصحّ الأقوال عن الشافعيّة إنّ القَبول يتحقّق بكلّ فعلٍ دلّ عليه، وذلك بأن يفعل الوكيل ما أمره به الموكّل، وفي قول للشافعية والحنابلة وبعض فقهاء الحنفية أنّ القَبول لا ينعقد بالفعل، ولا بدّ له من اللفظ ليتحقّق، وذهب الشافعيّة في قول آخر إلى أنّ الموكّل إن أتى بصيغة أمرٍ كأن يقول للوكيل: بِع أو اشترِ فالقَبول عندها يتحقّق بالفعل، وأمّا إن كان الإيجاب بصيغة عقد كقول الموكّل للوكيل: وكّلتُكَ، أو فوّضتُ إليك؛ فعندها لا بدّ في القَبول من اللفظ، ولا يتحقّق بالفعل.
        • القبول بالكتابة: ذهب الفقهاء بالجملة إلى أنّ القَبول بالكتابة المُستبينة المُعنونة هو قَبول صحيح.
        • القبول بالإشارة: ذهب الفقهاء إلى أنّ القَبول بالإشارة من الأخرس صحيح إن كانت الإشارة معلومة ومفهومة.
        • القبول بالسكوت: صرّح الحنفيّة أنّ القبول بالسكوت هو قبول صحيح ما لم يُرَد.
  • العاقدان: الركن الثاني من أركان الوكالة هو العاقدان؛ وهما الوكيل والموكّل، ولكلّ واحد منهما أحكام في بعضها اتّفاق وفي بعضها الآخر اختلاف بين الفقهاء، وللوقوف على مواطن الاتفاق والاختلاف لا بدّ من الوقوف على حدّ كلّ واحد منهما؛ أي: تعريفه، وفيما يأتي شيء من تفصيل القول في الموكّل والوكيل:
    • الموكّل: وتعريفه أنّه: “مَنْ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ، وَتَلْزَمُهُ الأَْحْكَامُ”، فلا تصحّ الوكالة من المجنون والنائم والصبي غير المميِّز والمعتوه والمُغمى عليه، ولكنّهم اختلفوا في الأصناف التالية:
      • توكيل الصبي المُميِّز: اتفق الفقهاء على أنّ الصبي المميز تجوز الوكالة منه في التصرفات التي يكون فيها نفعٌ محضٌ له، وأمّا ما كان فيه ضررٌ محضٌ فإنّه لا تجوز الوكالة منه فيه، وأمّا بالنسبة للتصرفات التي تدور بين النفع والضرر ففيها خلاف، وقد ذهب الجمهور إلى جوازها، وأمّا الشافعيّة فلا تجوز عندهم.
      • توكيل السفيه: فالسفيه المحجور عليه فيما لا يَستَقِل به من التصرفات لا تجوز الوكالة منه، أمّا بالنسبة لما يستقل به من التصرفات فإنّ الوكالة ساعتئذ تجوز منه.
      • توكيل المرأة في النكاح: ذهب الجمهور إلى أنّ المرأة لا يجوز لها التوكيل في النكاح؛ لأنّها لا تملك أن تزوّج نفسها، وإنّما وليّها الذي يزوّجها، ولكن عند الحنفيّة والمالكيّة يجوز ذلك في بعض الصور.
      • توكيل المرتد: وذهب الفقهاء في المرتد ثلاثة مذاهب:
        • فأمّا الجمهور من الشافعيّة والحنابلة والمالكيّة وأبو حنيفة من الحنفيّة إلى أنّ المرتدّ تتوقّف وكالته على عودته إلى الإسلام؛ فإن عاد نفذَت وكالته، وأمّا إن مات على كفره أو قُتِلَ أو لحق بدار الحرب وهو مرتدٌّ فإنّ وكالته تبطل.
        • وأمّا الصاحبان من الحنفيّة فقد ذهبا هما والشافعيّة في أحد الأقوال إلى أنّ وكالة المرتدّ لغيره نافذة وصحيحة، وزاد الحنفيّة أنّه يجوز توكيل المرتدّة بلا خلاف؛ لأنّ تصرّفاتها نافذة.
        • وأمّا الشافعيّة ففي أصحّ الأقوال المنقولة عنهم أنّ توكيل المرتدّ باطل.
      • توكيل المسلمِ الكافرَ في بيع الخمر والخنزير: ذهب الشافعية والحنابلة والمالكيّة والصاحبان من الحنفية إلى أنّه لا يجوز توكيل المسلم الكافر في بيع الخمر والخنزير؛ لأنّ من شروط الوكالة أن يملك الموكّل نفس التصرّف الذي يوكل به غيره، والمسلم لا يملك التصرف في الخمر والخنزير بيعًا ولا شراءً ولا نحوهما، وفاقد الأمر ليس له أن يُعطيه، وأمّا الإمام أبو حنيفة فقد ذهب إلى أنّ المسلم يصحّ منه توكيل الكافر في الخمر والخنزير؛ إذ يكفي أن يكون للموكل أهليةُ أداءٍ تخوّله حق توكيل غيره فيما يوكِّله فيه.
      • توكيل المُحرِم: قد اختلف الفقهاء في توكيل المحرم لحَلالٍ في النكاح، فذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز توكيل المحرم لحَلالٍ في النكاح يعقده؛ لأنّه لا يباشره، أي لا يباشر النكاح وهو محرم، وأمّا الحنفيّة فإنّهم يجيزون توكيل المحرم في الزواج مطلقًا؛ لأنّه يجوز له أن يعقده بنفسه، فجاز له وقتها التوكيل فيه.
      • جهالة الموكّل: وهو عدم معرفة الموكّل كأن يقول أحدهم وكَّلَكَ زيدٌ ولم يُنسَب له ولم يُذكر له من صفاته ما يميزه، فعندها لا تصحّ الوكالة كما نصّ على ذلك الحنابلة.
    • الوكيل: وتعريفه أنّه: “الْمَعْهُودُ إِلَيْهِ تَنْفِيذُ الْوَكَالَةِ”، ويُشترط فيه ما يُشترط في الموكّل، فلا يجوز توكيل المجنون والمعتوه والصبي غير المميز باتفاق الفقهاء، غير أنّهم قد اختلفوا في اشتراط الأمور الآتية:
      • البلوغ: وهذا الشرط محلّ خلاف، إذ قد ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز توكيل الصبي المميّز، مستدلين بالحديث الذي يروي قصة زواج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أمّ سلمة رضي الله عنها؛ إذ زوّجها ابنها وكان صبيًّا،، وأمّا الشافعيّة فقد ذهبوا إلى أنّ وكالة الصبي المميز لا تجوز؛ لأنّه ليس مكلّفًا ولا يملك التصرف في حق نفسه، ولذلك لا يملك أن يتوكّل لغيره.
      • تعيين الوكيل: اتفق الفقهاء على أنّ الوكالة يشترط لصحتها أن يكون الوكيل معلومًا، فإن كان الوكيل مجهولًا لم تصح.
      • علم الوكيل بالوكالة: لقد ذهب الحنفية إلى أنّ العلم بالتوكيل بالجملة هو شرطٌ بلا خلاف، وأمّا الحنابلة فقد ذهبوا إلى عدم اشتراط العلم بالوكالة، وبهذا القول قال الشافعيّة بحسب ما يؤخذ من عباراتهم، وفي المسألة تفصيلٌ يُنظر في مظانّه.
    • عدالة الوكيل: فعدالة الوكيل بالجملة لا تُشترط، إلّا أنّ بعض الفقهاء اشترطوا في عقود معيّنة أن يكون الوكيل أو الولي عدلًا، كعقد النكاح مثلًا، وكذلك في المسألة تفصيلٌ يُنظرُ في مظانّه.
      • ذكورة الوكيل: لم يشترط الفقهاء ذكورة الوكيل، ولكنّ بعضهم اشترطها في بعض العقود كعقد النكاح، ويُنظر تفصيل ذلك في مظانّه.
    • محل الوكالة: الركن الثالث من أركان الوكالة، وتعريفه أنّه “التَّصَرُّفُ الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنَ الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل بِمَلِكٍ أَوْ وِلاَيَةٍ”، وقد نصّ بعض فقهاء الشافعيّة على أنّ لمحلّ الوكالة ثلاثة شروط فيما يأتي تفصيلها:
      • أن يكون معلومًا من بعض الوجوه، ولا يُشترط علمه من كل الوجوه، فإن لم يكن كذلك لا تصح الوكالة؛ لأنّها لا تصح مع الجهالة.
      • أن يكون قابلًا للنيابة.
      • أن يملكه الموكّل حال التوكيل.

أحكام الوكالة

بعد الوقوف على تعريف الوكالة وحكمها والحكمة منها، وبعد الوقوف بشيء من التفصيل مع أركان الوكالة فإنّ المقال يقف مع أحكام الوكالة بشيء من الإيجاز، وأحكام الوكالة تقسم ثلاثة أقسام، منها قسم يتعلّق بالوكيل، وقسم يتعلّق بالموكّل، وقسم يتعلّق بغيرهما، وذلك فيما يأتي:

    • ما يتعلّق بالوكيل من أحكام: ويتعلّق بالوكيل أحكام كثيرة منها:
      • أن يُنفّذ الوكالة في الحدود التي قد أذِنَ له الموكّل بها، أو التي قد قيّده الشرع أو العرف بالتزامها.
      • موافاة الموكّل بالمعلومات الضّروريّة، وتقديم حساب عن الوكالة.
      • ردّ ما للموكّل في يد الوكيل.
    • ما يتعلّق بالموكِّل من أحكام: ومن تلك الأحكام أخذ الأجرة، فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الوكالة قد تكون بأجر وقد تكون بغير أجر، فإذا اتّفق الموكل والوكيل على الأجر فإنّه يجب اتفاقًا، وأمّا إذا لم يتّفقا على الأجر فإنّ الوكيل عندها -كما نصّ على ذلك الحنفيّة- إمّا أن يكون من الذين لا يعملون بأجر، وإمّا أن يكون من أصحاب المِهَن الذين يعملون بالأجر، ففي الحالة الأولى يكون العمل تبرّعًا؛ لأنّ التبرّع هو الأصل في ذلك، وأمّا في الحالة الثانية فالوكيل يستحقّ الأجر ولو لم يتّفق على ذلك مع الموكّل، وثمّة أحكام تتعلّق باستحقاق الأجرة ووقت تسليمها مبسوطة على نحو مُفصّل تُنظر في مظانّها.

فيما يصح التوكيل فيه وما لا يصح

مع أنّ الفقهاء قالوا إنّ كلّ عقدٍ جاز الإنسان أن يعقده بنفسه فإنّه يجوز أن يوكّل به غيره، إلّا أنّه ثمّة أقسام للوكالات، ففيها ما لا يصح التوكيل فيها باتفاق الفقهاء، وهنالك أمورٌ يصحّ التوكيل فيها كذلك باتفاق الفقهاء، وكلّ ذلك مبنيّ في الأصل على ضوابط عامّة تضبط عمل الوكالة، وتفصيل ذلك موجزًا فيما يأتي:

  • الأمور التي يصح فيها التوكيل باتفاق الفقهاء: اتّفق الفقهاء على جواز الوكالة فيما يأتي:
    • العقود: كالبيع والشراء والحوالة والرهن والكفالة والشّركة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض و الوصية والضمان والصلح والهبة وعقد النكاح من الرجل وغير ذلك.
    • العبادات الماليّة: كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات.
    • الطلاق والرجعة والخلع]].
  • الأمور التي لا يصح فيها التوكيل باتفاق الفقهاء: اتّفق الفقهاء على عدم صحة الوكالة في الأمور التالية:
    • الشهادة.
    • الأيمان والنذور.
    • المعاصي.
    • العبادات البدنية.
  • الأمور التي فيها خلاف بين الفقهاء: لقد اختلف الفقهاء في بعض الأمور بين من يرى أنّ الوكالة تصحّ فيها وبين من يراها لا تصح، ومن تلك الأمور:
    • الحج: فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الإنسان القادر على الحج بنفسه لا يجوز له توكيل من يحج عنه، وأمّا العاجز فإنّ الفقهاء لهم فيه كلام طويل يُنظر في مظانّه.
    • العمرة: ذهب الفقهاء بالجملة إلى أنّه يجوز للإنسان أن يؤدي العمرة عن غيره بالوكالة.
    • النكاح من المرأة: وقد ذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز للمرأة أن توكِّل ولا أن تتوكّل في الزواج؛ لأنّه لا يجوز لها أن تعقده بنفسها، فلا يجوز لها أن تتوكّل ولا أن توكّل فيه، وأمّا الحنفيّة فقد ذهبوا أنّه يجوز ذلك للحرّة البالغة العاقلة بكرًا كانت أم ثيّبًا؛ وذلك لأنّها تملك أن تعقده بنفسها عندهم، فبذلك تستطيع التوكّل والتوكيل في ذلك.

طرق انتهاء عقد الوكالة

ختامًا بعد المرور على معظم حالات وتفاصيل الوكالة فإنّ المقال يقف نهاية مع ذكر بعض الطرق التي ينتهي فيها عقد الوكالة؛ وعقد الوكالة ينتهي بحالات كثيرة ستقف هذه الفقرة مع بعض منها تعدادًا على سبيل الإيجاز؛ إذ يمكن مراجعة تلك المعلومات في المصادر الخاصّة بها، ومن تلك الطرق التي ينتهي بها عقد الوكالة:

  • العزل.
  • الوفاة.
  • الجنون.
  • الإغماء.
  • الحجر.
  • الردّة.
  • الفسق.
  • السكر.
  • خروج محل التصرّف عن ملك الموكّل.
  • تعدّي الوكيل فيما وكّل فيه.
  • إنكار الوكالة.
  • تلف ما تعلقت الوكالة به.
  • افتراق أحد الشريكين.
  • إنجاز التصرّف الموكّل فيه.
  • الرّجوع عن الوكالة دلالةً.
السابق
الأدوية المستخدمة لعلاج الأمراض التي تسببها البكتيريا اللاهوائية
التالي
معنى اسم الله المتكبر

اترك تعليقاً