القرآن الكريم

رمضان شهر القرآن

رمضان شهر القرآن

يُعدّ شهر رمضان من أكثر شهور السنة بركةً ورحمةً؛ فقد اختصّه الله -تعالى- بفضائل عظيمةٍ؛ إذ أُنزل القرآن الكريم فيه، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، وكان نزوله في العشر الأواخر من رمضان، في ليلةٍ مباركةٍ هي ليلة القدر، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، و قال أيضاً: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)؛ حيث نزل القرآن الكريم كاملاً من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، في ليلة القدر، كما قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)، ثمّ نزل مُفرّقاً على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقِيل إنّ نزول القرآن بدأ ليلة القدر، مع الإشارة إلى أنّ القرآن كلّه يُسمّى قرآناً، وكذلك الآية الواحدة منه، وقِيل أيضاً إنّ نزول القرآن بدأ في شهر رمضان؛ ولذلك كانت للقرآن خصوصيّةٌ فيه.

وكان القرآن يُعرَض على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- القرآن من قِبل جبريل -عليه السلام- في رمضان، كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه، عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً)، ولذلك اعتُبر شهر رمضان شهر القرآن، قال سفيان الثوريّ في رمضان: “إنّما هو إطعام الطعام، وقراءة القرآن، فينبغي على المسلم أن يتأسّى برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأن يُدارس القرآن مَن هو أحفظ له منه في هذا الشهر المبارك”؛ فالقرآن الكريم يُعدّ سبباً من أسباب زيادة الإيمان، كما وُصف شهر رمضان بأنّه شهر القرآن، ممّا يدلّ على فضل القرآن فيه، وفضل استغلاله بتلاوة آيات الله، وفَهْمها، وتدبُّرها، وتطبيق ما نصّت عليه من أوامرٍ، والابتعاد عمّا نهت عنه.

القرآن من أعظم القُربات في رمضان

شُرِعت عبادة تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، وفي بيان فضل ذلك، رُوي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (الصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ يقولُ الصِّيامُ أي ربِّ منعتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ فشفِّعني فيهِ ويقولُ القرآنُ منعتُهُ النَّومَ باللَّيلِ فشفِّعني فيهِ قالَ فَيشفَّعانِ)، كما أنّ جبريل -عليه الصلاة والسلام- كان يُدارس النبيّ -عليه الصلاة والسلام- القرآن في رمضان، والحديث يدلّ على استحباب مُدارسة القرآن الكريم في شهر رمضان، والإكثار من تلاوته، ويتأكّد الاستحباب في العشر الأواخر من رمضان، ويتأكّد أيضاً في الليل من شهر رمضان؛ إذ لا شواغل أو مُلهيات ليلاً، فينشغل كلّ من اللسان والقلب بالتدبُّر والتلاوة.

كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُطيل القراءة في صلاة القيام في شهر رمضان؛ بدليل ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ: يُصَلِّي بهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلتُ: يَرْكَعُ بهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإطالة في الصلاة تنحصر فيمَن يُصلّي مُنفرداً، أو إماماً لجماعةٍ يرضَوْن الإطالة في الصلاة، وعلى الإمام أن يترفّق بحال المُصلّين، على أنّ قراءة القرآن لا تنحصر في الصلاة، فيُقرَأ في الصلاة وخارجها.

فضل قراءة القرآن في رمضان

قراءة القرآن من أعظم الأعمال عند الله -عزّ وجلّ-، وخاصّةً في شهر رمضان؛ إذ تُعظّم فيه الأجور والمنازل، كما أنّ الإكثار من تلاوة القرآن، وحفظه، وترتيله، وتدبُّره من أسباب الشفاعة يوم القيامة، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ)، وقراءة الحرف من القرآن الكريم بحسنةٍ، والحسنة تُضاعَف بعشرة أمثالٍ، كما ورد عن النبيّ -عليه السلام- أنّه قال: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقول الم حرفٌ ولَكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).

واجب المسلم تجاه القرآن في شهر رمضان

تُشرَع عدّة عباداتٍ مُتعلّقة بالقرآن الكريم في شهر رمضان المبارك، منها: تلاوته، والحرص على ختمه عدّة مرّاتٍ؛ كلّ مرّةٍ خلال مدّةٍ معيّنةٍ، وحفظ شيءٍ منه ولو كان يسيراً، وتخصيص وقتٍ للتدبُّر والتأمُّل في ما نصّت عليه الآيات القرآنيّة، واستنباط الحِكَم والعِبَر منها، وقراءة شيءٍ من التفسير؛ إذ لا بدّ من التدبّر والتفكّر في آيات القرآن حين تلاوتها، مع الحرص على حضور القلب أيضاً.

ويتحقّق بما سبق استثمار أوقات رمضان؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وسلوكاً لطريقه ذاته، وبذلك يُحقّق المسلم مصلحةً عظيمةً، كما ورد أنّ النبيّ كان أكثر جوداً في رمضان، ومن الجود الاعتناء بالقرآن الكريم، ومُدارسته، وتلاوته، والتفكّر والتدبّر في معانيه ودلالاته، فقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان من أجودِ الناسِ وأجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاهُ جبريلُ يلقاهُ كلَّ ليلةٍ يُدارِسُهُ القرآنَ)، وبيّن الإمام النووي -رحمه الله- العديد من الفوائد المترتّبة على الحديث السابق، منها: استحباب الإكثار من الجود في رمضان، وحين ملاقاة العباد الصالحين، واستحباب مُدارسة القرآن؛ إذ إنّ مدارسة القرآن تُجدّد عهد النفس بالغِنى الذي يُعَدّ سبباً من أسباب الجود والسَّخاء.

السابق
فضل قراءة القرآن في شهر رمضان
التالي
ما هي صلاة التراويح

اترك تعليقاً